عن الكتاب :
فصول البحث ومباحثه تنبئ عن أهمية المسائل التي تعرض لها انطلاقا من السياق، وتنوع المقامات المتعددة والمتباينة، فالسياق بنوعيه (المقامي والمقالي) له أثره في إدراك المعاني، فالسياق المقامي بما يحيط به من اعتبارات، وما يشمله من ظروف تخص المخاطب، والمتكلم والزمان، والمكان، والبيئة، والمجتمع له أثره في إيراد الكلام على نحو دون آخر .
كما أظهر البحث أن الأسئلة والاستفهامات تجري في كلام العرب على وجوه كثيرة منها ما يرتبط بإيقاظ الذهن، ولفت الانتباه وإثارة المشاعر للتطلع إلى الجواب حتى إذا ما جاء الجواب بعد ذلك تمكن في النفس أيما تمكن؛ لتحصيله بعد تشوق، وتطلع لإدراكه.
وكذلك تعرض البحث لجانب مهم - وهو تنوع جواب النبي ﷺ عن السؤال الواحد المتكرر، وأظهر البحث أن التنوع في الجواب مع اتحاد السؤال جاء لمراعاة الأحوال، ومراعاة المخاطبين، فدفع بذلك إيهام التناقض الذي يظهر في بادئ الأمر.
كما تعرض البحث للمطابقة بين السؤال والجواب، وأوضح أن السؤال والجواب متلازمان ومرتبطان ببعضهما أشد الارتباط، كارتباط الروح بالجسد، كذلك أظهر أن المطابقة بين السؤال والجواب بمعنى المشاكلة اللفظية ليست لازمة، إنما تكون المطابقة في اللفظ، وتكون في المعنى، وقد يجيء الجواب أعم من السؤال، أي يزاد في الجواب عما يطلبه السؤال؛ لاقتضاء المقام إياه، فيكون مطابقا لمقتضى الحال، وقد يجيء الجواب أنقص من السؤال لضرورة الحال فيكون مطابقا أيضا، وقد يعدل في الجواب عما يقتضيه السؤال تنبيها على أنه كان من حق السؤال أن يكون كذلك؛ إذ هو الأولى والأجدر في هذا المقام، وهذا ماعرف عند البلاغيين بالأسلوب الحكيم.
هذا، والبحث فيه تفاصيل كثيرة جيدة تصل بك إلى الإمتاع والإقناع، ويستفيد منها القارئ، وطلاب الدراسات العليا في بحوثم، وما ذكرناه غيض من فيض، وومضة يسيرة لتجلية أهمية بعض جوانب البحث، سائلا الله أن ينفع به، وأن يجزى كاتبه خيرا الجزاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من تقديم
أ.د/ عبد الله محمد سليمان هنداوي
أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر
