المرجع في اللسانيات
أ.د. عيسى عودة برهومة
مما ينعقد الاتفاقُ عليه أنّ العلومَ لا تُنشَّأُ طفرةً أو دُفعةً واحدةً بل هي سيلٌ من العطاءِ ممتدٌ منذ القديمِ حتى يومِ الناسِ هذا، وكذا علومُ اللغةِ لم تنبجسْ في العصرِ الحديث بل هي قديمة وقد تبلّرتْ في هيئتِها المعاصرةِ في القرنينِ التاسع عشرَ والعشرين، فأمستْ اللسانيات عِلمًا مُستقلّاً يُعنى باللغاتِ المنطوقةِ والمكتوبةِ، ويُعنى باللَّهجاتِ. ويدرسُ اللغةَ بوصفِها كيانًا واحدًا بصورةٍ متدرِّجةٍ من الأًصواتِ إلى الدلالةِ مرورًا بالمستويين الصرفيّ والنَّحْويّ. وهو عِلمٌ يسعى لبناءِ نظريّةٍ لُغويّةٍ تتّصف بالعمومِ تُتيح لنا إمكانيَّة دراسةِ جميعِ اللغاتِ في العالم.
وتَشغلُ اللسانياتُ مكانةً خاصةً في العلومِ الاجتماعيّة، وقد أشارَ العاِلمُ الأنثروبولوجيُّ (كلود ليفي شتراوس) إلى" أنّ اللسانياتِ ليست عِلمًا اجتماعيًّا مثلَ غيرِه مِن العلومِ فحسب، بل هي العلمُ الوحيدُ الذي يستطيعُ أن يزعُمَ بأنّه عِلْمٌ حقيقيّ، وهو العِلمُ الذي يُقدّمُ طريقًا للمعرفةِ التجريبيّةِ وعلومِ النفسِ والاجتماعِ والفلسفةِ والأنثروبولوجيا". فلا فِكاكَ للعلومِ من أن تتعالقَ وعلمَ اللسانياتِ لاسترفادِ ما استقرَّ في اللسانيات من فُتوحٍ وبصائرَ.
أردنا أنْ يكونَ هذا الكتابُ( المرجع في اللسانيات) مَدْخلاً تأسيسيًّا لطلبة الدراسات العُليا المتخصصين بعلوم اللغة، والطلبةِ في تخصصِ اللغةِ في المرحلةِ الجامعيّةِ الأولى، والقُرّاء والمعنيين بالشأن اللغويّ، والباحثين في العلوم الإنسانيّة. فقد سعينا في هذا الكتاب إلى بسْطِ القولِ في قضايا اللغةِ وأصولهِا وثنيّاتها وفروعها وتعريفٍ بأهمِّ أعلامها، وأتبعنا كل فصل بأسئلةٍ لتكونَ رجعَ صدى للمادةِ المعرفيّة، وليُفيدَ منها القارئ؛ فهي تتضمَّن لفت نظر القارئ للقضايا اللغوية التي ينطوي عليها الفصل.
اشتمل الكتابُ على أحدَ عشرَ فصلاً؛ في كل فصلٍ مجموعةٌ من الموضوعات التي تتصلُ بالعنوانِ الرئيسِ للفصل، وتتناول توزيعَ اللغاتِ في العالم وأقسامَها، وأهم المدارس العالميَّة التي عُنيت بالشأنِ اللسانيّ، وأهمّ مناهجِها ونظرياتِها اللغويّة. ثم أدرنا القول على اللسانيات النظريّة، ثم عقدنا فصلاً للتداوليّة، ومن بعدِه للبنيويّة اللسانيّة. ومحضْنَا اللسانياتِ التطبيقيّةَ بالقولِ على أظهرِ فُروعِها، وختمنا الكتابَ بتحليلِ الخِطاب.
وأرفقنا في مادةِ الكتابِ شروحاتٍ توضيحيّةً (جداول، وصور، ورسومات، وخرائط ذهنيّة، وقراءات إضافيّة) تمكينًا للمعرفةِ وتوضيحًا للمفردةِ التي ندارسُها. وفي نهايةِ كلِّ فصلٍ أسئلةٌ تَختبرُ عُمقَ فَهمِ القارئِ للقضايا المطروحةِ في مُتونِ فُصولِها. وارتأينا أن نخصص ملاحق في آخر الكتاب لموضوعات قد يراها بعض المتخصصين في صُلب المادة الدراسيّة في اللسانيات ويرى آخرون أنها ضمن موضوعات فقه اللغة أو يمكن أن تكون خلاصة ما ورد في أدبيات الدراسة اللسانيّة، ثم إننا أرفقنا قَبَسَات مستصفاة لها صلة بموضوع الفصل لتكون مثار نقاش بين الطلبة وأساتذتهم، وسعينا إلى إرداف بعض التطبيقات لفروع اللسانيات لتعين الطلبة على تَمثُّل الحقل اللسانيّ، وأتبعنا الفصل بقراءات تتصادى والمادة المعرفيّة لزيادة الحصيلة العلميّة للطلبة والقرّاء في الموضوع المخصص.