"كيف نعزز التدين؟"
أ.عبدالله بن صلاح الشهري
توجد بعض الوسائل التي ينبغي الاهتمام بها حتى يصل الإنسان إلى مرتبة التديُّن ويحافظ عليه، ومن ذلك:
أولًا: العناية بأعمال القلوب، فالقلوب هي المحرك للجسد، والعناية بها بشكل مستمر تعين الإنسان على أن يستمر على هذا الطريق، ومن ذلك: الصدق، والإخلاص، والخشوع. فالاعتقادات الباطنة أول قضية تُسهِم في الحفاظ على التديُّن.
ثانيًا: تدبُّر القرآن الكريم، فإن تدبر القرآن يُسهِم في استمرار الإنسان على التدين، ويسهم في ضخِّ التديُّن بمفاهيم مستمرة، ومعالجة الإشكالات التي قد تواجه الإنسان في طريقه.
ثالثًا: عدم الاستهانة بالصغائر؛ لأن الصغائر كالسهام التي تجرح، ومع الأيام يكبر هذا الجرح، فلا تشعر به، قال النبي : «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ» وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ r ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ، فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا»([1]).
رابعًا: تقديم النصيحة والاستماع إليها، بأسلوب لطيف، ففي الحديث عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»([2]). والنصح يُعزِّز ويبعد الإنسان عن الأخطاء، وما يخدش في تدينه.
خامسًا: غض البصر، وهذه من القضايا الشائكة اليوم، قال الله جل وعلا: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور:30). فغضُّ البصر مقدَّم على حفظ الفرج؛ لأن إطلاق البصر هو السبيل إلى الزنا، فكلما أطلق الإنسان بصره وقع في الحرام، وهذا من قوادح تدينه.
وغض البصر ليس مقصورًا على أن الرجل لا ينظر إلى المرأة، أو أن المرأة لا تنظر إلى الرجل؛ بل المعنى الأشمل يدخل فيما نقصده، أي: إطلاق البصر إلى فضول الأشياء، قال الله تعالى للنبي : (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ ) (الحجر:88).
سادسًا: عدم الاستكثار من المباحات، فإذا توسع الإنسان في المباحات انجرف إلى ما هو مكروه، ثم إلى ما هو محرم؛ لأن التدين سيكون في حالة نقص وانحدار، فالإنسان يقتصر من المباحات على ما يحتاجه فقط، ثم يستكثر من النوافل التي تحميه من الانزلاق إلى القاع.
سابعًا: عدم الاستسلام للفراغ، كثير من الشباب يواجه مشكلات في تدينه بسبب الفراغ، وفي ذلك يقول الشاعر:
إنَّ الشَّبابَ والفراغَ والجِدَة
مفسدةٌ لِلمَرءِ أيُّ مَفسَدَة
وملء الوقت بالطاعات أو بالمباحات من الوسائل التي تعين على ذلك، فلا يستسلم الإنسان لهذا الفراغ الذي يقتل كثيرًا من الناس، فيُسبِّب له أوهامًا ووساوس، وقد يؤدي إلى الخواطر والأفكار، فالاسترسال وراء الخواطر أو البصر يُسبِّب إشكالات للشباب والفتيات، وهذا من الأعمال التي تُضعِف التديُّن. قال ابن القيم: (وَالنَّظَرُ أَصْلُ عَامَّةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تُصِيبُ الْإِنْسَانَ، فَالنَّظْرَةُ تُوَلِّدُ خَطْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الْخَطْرَةُ فِكْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الْفِكْرَةُ شَهْوَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الشَّهْوَةُ إِرَادَةً، ثُمَّ تَقْوَى فَتَصِيرُ عَزِيمَةً جَازِمَةً، فَيَقَعُ الْفِعْلُ وَلَا بُدَّ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ)([3]).
كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ
وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كَمْ نَظْرَةٌ بَلَغَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِها
كَمَبْلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ
وَالْعَبْدُ مَا دَامَ ذَا طَرْفٍ يُقَلِّبُهُ
فِي أَعْيُنِ الْعِينِ مَوْقُوفٌ عَلَىالْخَطَرِ
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ
لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ)
إن وسائل التواصل أشبه بموج هائج على كثير من الشباب من ناحية إطلاق البصر، وهذا البصر يؤدي للخواطر، وما دام الإنسان يسترسل مع هذه الخواطر يحصل له الإشكال؛ لذلك قيل: مَنْ حفظ أربعًا أحرز دينه، وهي: الخطرات، واللفظات، والنظرات، والخطوات. هذه الأشياء الأربعة قد تؤدي بالإنسان إلى كثير من المهالك.
([1]) أخرجه أحمد في مسنده رقم (3818).
([2]) رواه مسلم رقم (55).
([3]) ابن القيم، الداء والدواء، ص153.
انقر هنا للوصول إلى صفحة الكتاب كاملاً.
انقر على الصورة للوصول إلى النسخة المصورة (pdf) قابلة للتحميل والنشر.