main-logo

متخصصين في قطاع النشر والتوزيع ، من خلال توفير كل ما يلزم طالب المعرفة

تمليك الأدوات عند الشيخ السعدي -رحمه الله-

بواسطة: مدونة نَشر 24 أكتوبر 2024
تمليك الأدوات عند الشيخ السعدي -رحمه الله-


تمليك الأدوات عند الشيخ السعدي


بدر بن مرعي آل مرعي





يقول تلميذه الشيخ عبدالله بن عقيل: "طريقته في التدريس خلاف ماكان عليه المشايخ إذ ذاك، كان المشايخ إذ ذاك طالب العلم إذا أراد أن يقرأ بأي كتاب استأذن من الشيخ وجلس إليه وقرأ عليه من الكتاب، هذا فصل يبتدئ وينتهي، وربما تكلم الشيخ كلمة، كلمتين، أو نحو ذلك، فلما اجتمع الطلاب على الشيخ عبدالرحمن صار ما يتمكن يقرئ كل شخص في كتاب مستقل، واقترح عليهم أن يجتمعوا على كتاب واحد: إما في الفقه، أو في النحو، أو في العقيدة، أو في الحديث ويكلفهم بحفظ المتن، ثم يشرع في الشرح، ويورد الأمثلة، ويحلل الخلاف، وكان يحث الطلاب على الأسئلة بعد تمام الشرح من كل الجوانب"[1]


ويقول حفيده: كان الجد -رحمه الله- يحب التنويع في أساليب التعليم وشحذ أذهان طلابه للوصول إلى أحكام المسائل العلمية، فكان -رحمه الله- لا يتقيد بأسلوب أو طريقة واحدة، بل كان يعدد الأساليب على غير عادة أهل نجد ذلك الوقت.


فمن الطرق التي كان يتبعها -رحمه الله- طريقة التعليم التعاوني، وهي تقسيم الطلاب إلى فرق ومجموعات عمل، كل فرقة تبحث مسألة علمية واحدة، وكان لكل مجموعة رئيس تسمى به، وكان رحمه الله يجمع إجاباتهم في بحث واحد، وقد اطلعت على نموذج من هذه البحوث العملية بعنوان: "تذكرة أولي الألباب في ذكر السؤال والجواب مرتب في الفقه على الأبواب من أجوبة أصحابنا الأنجاب"[2] ولعلك تلحظ ما في التسمية من تشجيع، وتمليك لأدوات العلم.

ومن أساليب الشيخ في تمليك الأدوات:


١-التدرج في التعليم:


والبداية بالأهم فالأهم، وعدم مراكمة العلوم بعضها على بعض، قال موضحًا هذه الطريقة ومبينًا نفعها:

"ومن الحكمة ألا يلقى على المتعلم العلوم المتنوعة التي لا يحتملها ذهنه، أو يضيع بعضها بعضًا، واتفق أهل المعرفة بطرق التعليم زن هذا ضار ومفوت للعلم، وأن الطريق الأقرب أن يجعل للمتعلم من الدروس ما يسهل عليه حفظها وفهمها"[3]


٢- التشجيع على حفظ المتون:

وقد قال رحمه الله في بيانه لأثر الحفظ وفائدته: ليجتهد طالب العلم في حفظ مختصرات الفن الذي يشتغل به ... فلو حفظ طالب العلم العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية وثلاثة الأصول وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وفي الفقه مختصر الدليل ومختصر المقنع وفي الحديث بلوغ المرام وفي النحو الآجرومية واجتهد في فهم هذه المتون وراجع عليها ما تيسر من شروحها أو كتب فيها فإنها كالشروح لها، لأن طالب العلم إذا حفظ الأصول وصار له ملكة تامة في معرفتها هانت عليه كتب الفن كلها الصغار والكبار، ومن ضيع الأصول حرم الوصول"[4].


وقد قرر الشيخ في دروسه حفظ أغلب هذه المختصرات التي ذكرها. قال صاحب سيرة العلامة السعدي: "وكان في بعض الأحيان يقدم المكافآت لمن يحفظ منهم المتون تشجيعًا لهم ولسواهم من زملائهم وكل من ثبت حفظه لديه سلمه المكافأة المقررة".


٣- توضيح المسائل العلمية وتقريبها:

كان -رحمه الله- حريصًا على تقريب المسائل لأذهان المتعلمين وتصويرها وشرحها مما يجعلها واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وقد قال في هذا المعنى:

"ينبغي سلوك الطريق النافع عند البحث تعلمًا وتعليمًا، فإذا شرع المعلم في مسألة وضّحها وأوصلها إلى أفهام المتعلمين بكل ما يقدر عليه من التعبير وضرب الأمثال والتصوير والتحرير"

وقد بين الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أنه تأثر بطريقة شيخه هذه حيث قال: إنني تأثرت به كثيرًا في طريقة التدريس، وعرض العلم، وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني"[5]


٤- مناقشتهم ومذاكرتهم بما مضى:

كانت طريقة الشيخ في تدريسه لطلابه ألا ينتقل من مسألة إلى أخرى إلا بعد ضبط السابقة ومذاكرتها مع تلاميذه وتأكده من رسوخها، وقد قال - رحمه الله – في هذه الطريقة: ينبغي تعاهد محفوظات المتعلمين ومعلوماتهم بالإعادة والامتحان والحث على المذاكرة والمراجعة، والإعادة بمنزلة السقي لها وإزالة الأشياء الضارة عنها لتنمو وتزداد على الدوام.

وقال أيضا: ينبغي ألا ينتقل المعلم من نوع من أنواع المسائل إلى نوع آخر حتى يتصور ويحقق السابق فإنه درك للسابق وبه يتوفر الفهم على اللاحق فأما إذا أدخل المسائل والأنواع بعضها ببعض، قبل فهم المتعلم، فإنه سبب لإضاعة الأول، وعدم فهم اللاحق، ثم تتزاحم المسائل التي لم يحققها على ذهنه، فيملها ويضيق عَطَنْهُ عن العود إليها، فلا ينبغي أن يهمل هذا الأمر.

وقال تلميذه القاضي عن استخدامه لهذه الطريقة في تدريسه: كان يجمع الطلبة كلهم على كتابين واحدًا بعد آخر، وبعد انتهاء الجلسة يطلب من ثلاثة منهم إعادة ما يستحضره من التقرير .. ويناقشهم بعد يوم عما مضى، فكانت فائدته عظيمة، ويهتمون إذا علموا بالإعادة والبحث عما قرره عليهم.


٥- تغلیط نفسه أمامهم لاختبارهم:

يقول تلميذه القاضي: وكان يطرح المسائل على الطلبة ليختبر أذهانهم ويتعمد أحيانًا تغلیط نفسه أمام الحلقة ليرى من هو حاضر الذهن لتقريره ممن هو شارد الذهن، ولمعرفة النجيب الفطن من ضده، وتلامذته قد عرفوا منه ذلك.


٦- عقد المناظرات بين طلابه:

كان الشيخ مولعا بالمناظرات سالكا لها، سواء في تأليفه أو تدريسه، وقد بين - رحمه الله - أهدافها وآدابها وثمراتها.

وقد سلك هذه الطريقة مع تلاميذه لتقوية مداركهم وتثبيت معارفهم.. قال صاحب سيرة العلامة السعدي: ومن ميزاته وشفوف نظره – رحمه الله - أنه كان يعقد مناظرات بين طلابه المحصلين لشحذ أفكارهم وصقل أذهانهم، وتدريب ألسنتهم وتعويدهم إقامة الحجة والبرهان.


٧- وضع الجوائز للمتفوقين:

لقد كان - رحمه الله - من حرصه على إفادة التلاميذ أن جعل للمتفوقين منهم والمجيبين على الأسئلة التي يلقيها عليهم الجوائز القيمة تشجيعًا لهم وترغيبا لغيرهم وإظهارا لتفوقهم ونبوغهم.

جاء في سيرة العلّامة السعدي في وصف تدريسه لطلابه: وكان في بعض الأحيان يقدم المكافآت لمن يحفظ منهم المتون تشجيعا لهم ولسواهم من زملائهم وكل من ثبت حفظه منهم لديه سلمه المكافأة المقررة.

وقال القاضي في ترجمته للشيخ: ويعطي الجوائز على حفظ المتون وقوة الفهم.. والجواب على أسئلته التي يوردها عليهم.


٨- طرق تعليمه العامة:

وضح - رحمه الله - مجالات نفع العامة وبين أنهم يختلفون عن غيرهم، ووجه طلبة العلم إلى سلوك هذه الطرق لنفع الناس وتوجيههم، ومن هذه الوسائل:

النصائح الخاصة بالأشخاص باختلاف رتبهم، من رآه مقصرًا في واجب من واجبات الله وحقوق الخلق نصحه سرًّا وعلَّمَهُ الواجب، ومن رآه متجرئًا على محرم متعمدا أو جاهلا نصحه ووعظه وبيَّن له الوجهة التي يجب عليه سلوكها، فكم حصل بهذه الطريقة من تعليم للجاهلين وإرشاد للغافلين وتوجيه للخير للمعرضين أو المعارضين. وكان - رحمه الله - من المطبقين لهذه الأساليب السالكين لجميع الطرق التي فيها نفع للعامة وكان كثير المجالسة لعامة الناس، بل ربما دون مواعيد جلساته مع العامة عند أحد تلاميذه وإذا جلس في المجلس حدث الناس بما يفيدهم دون مضايقة لأحد أو قطع لحديث، ليتكلم كل شخص بما يناسبه.

وكان قد أوصى أحد تلاميذه أن يطرح عليه سؤالا إذا رأى أن أمور الدنيا قد طغت على المجلس ليتمكن من خلاله من إفادة الحاضرين وقَلْبِ المجلس إلى مجلس علم وخير دون قطع للمجلس أو إثارة للحاضرين.[6]


______________________

[1] بتصرف من محاضرته "الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي كما عرفته"

[2] انظر: مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي (١/ ١٧٨ ومابعدها)

[3] السابق (١/١٨٤)

[4] السابق (١/١٨٤)

[6] مجموع مؤلفاته (١/ ١٧٨- ١٨٨)




انقر هنا للوصول إلى صفحة الكتاب كاملاً.




انقر على الصورة للوصول إلى النسخة المصورة (pdf) قابلة للتحميل والنشر.